• الروح والجسد ( 1-5)


    تتكون الذرة ( أصغر وحدة بنائية للمادة ) من نيترون و بروتون والكترون .
    يحمل النيترون شحنة متعادلة ( +_) ، ويحمل البروتون شحنة موجبة  (+) ، بينما يحمل الألكترون شحنة سالبة (_) ، ولكن الذرة متعادلة كهربيا في الحالة العادية لأن عدد البرتون الموجب مساوٍ تماماً لعدد الإلكترون السالب ، ومن هنا يأتي توازن الذرة وتعادلها الكهربي حيث لا تميل إلى جانب على حساب الجانب الآخر .
    وبالمثل هناك العديد من الثنائيات المتوازنة في الطبيعة والحياة البشرية ؛ فمثلاً عندما تصاب إحدى رجلي الانسان بمرض معين أو إصابة معينة ، بعد فترة تصاب الرجل السليمة الآخرى بنفس الإصابة لكي تتوازن الحركة .وبالمثل في العين وغيرها .
    وهناك قانون نيوتن الذي ينص علي أن ( لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه ) ، هذا في المجال العلمي والطبيعي .
    بالنسبة للجانب الآخر ذكرت كلمة (الجنة ) نفس عدد مرات ذكر كلمة النار في القرآن الكريم ؛ وهناك الملائكة والشياطين وغيرها الكثير من الثنائيات التي إن اختلفت بصورة جزئية أو كلية عن الجانب المقابل أو الموازي لها ، إلا إنهما عاشا وتعايشا سويا دون ذكر لفضل لأحدهما عن الآخر أو فناء جانب وحياة الجانب المقابل .
    هذه هي الحال في الثنائيات المتضادة تماماً والمختلفة في جميع خصائصها عن الجانب الموازن لها فأنها تعيش وتستمر ليتحقق التوازن وتستمر الحياة . إذا نظرنا إلى العالم الروائي نجد ثنائية الخير والشر ، الحب والكره ، وغيرها من الثنائيات يحدث بينهما صراع وينصر الكاتب برأيه أحد الجانبين على الآخر ، ولكن لا ينصر الكاتب مطلقاً جانباً واحداً على الإطلاق ، فهناك من ينصر الخير في روايته وهناك من ينصر الشر ( والشر والخير في الرواية مجرد أفكار مطلقة غير متحققة في الواقع ) لأن الشر والخير يتعايشان داخل الحياة كما تتعايش كل الثنائيات الطبيعية . فالحدود المطلقة لا تعبر عن الحياة المعقدة المتداخلة ، وإنما تدل على فرضيات نظرية غير مستمدة من الواقع في أغلب الاحيان .
    فلو قسمنا الصفات على سبيل المثال إلى صفات إيجابية مثل الصدق والشجاعة ، وصفات سلبية مثل البخل والكذب سنجد أن هناك صفات ومشاعر وأفكار لا يمكن الجزم بإنتمائها إلى أي الفريقين مثل الحب ، الدهاء ، الذكاء ، الايمان ، القوة ، الصرامة ؛ بل تحدد مثل هذه الصفات المواقف التي توجد في سياقها ، كما أن هناك صفات مثل الصدق قد لا يكون ايجابيا في حالة وقوع جندي في قبضة الاعداء وقد يكون الكذب ايجابياً في مثل هذه الحالة .
    هذا في التقسيم المنطقي المطلق ؛ وإذا نظرنا إلي الوجود الفعلي لتلك الصفات فسنجد أنه لا يوجد شخص يحتوي على كل الصفات الإيجابية ، ولا يوجد شخص يحتوي على كل الصفات السلبية ؛ بل يوجد أشخاص تحتوي على صفات إيجابية وسلبية أو سلبية وإيجابية  بحسب المفهوم السائد والتقسيم ؛ بل إن الأصح أن نقول أن كل شخص بداخله كافة الصفات والظروف البيئية والنشأة والاستعداد الشخصي هم من يحددون ظهور أي من تلك الصفات فيما يعرف بالملائمة أو التكيّف أو ( البقاء للأصلح ) طبقاً لمفهوم نظرية التطور الحديثة التي قدمها مجموعة من العلماء لتفسير تطور الاجناس والصفات الوراثية وأجدها ملائمة كذلك في الصفات الخلقية والنفسية والتي تتركز على الصفات البيئية والجسدية والمجتمعية .

    تجد أشخاصاً _ بل كل الاشخاص _ بهم صفات مختلفة ومتناقضة في بعض الاحيان ، وكذلك ازدواجية في المعيار مثل اخبار الأب لإبنه بأن الكذب حرام وتراه يكذب أمام ابنه ، أو نظرة المجتمع بكل أشخاصه في المجتمعات الشرقية إلى تجارب الولد بكل فخر ، وتجارب البنت بكل أسى وذل ، وهناك أيضاً الاعتقاد بأن الشرف هو فقط ( غشاء البكارة )  فمسموح للبنت _ طبقاً لهذا المفهوم _   أن تفعل ما تشاء  ولكن ( لا تولع عود الكبريت ) ، وهناك نهي الأب ابنه عن شرب السجائر وهو يشربها .
    هذه الافعال ازدواجية في المعايير   وخلل نفسي واضح ؛ وهي تدل على صحة ما أقوله من أن التوزان النفسي والاجتماعي ينشأ من اعترافك بوجود متناقضات بداخلك . أشياء تريدها وأشياء لا تريدها وأشياء تريدها لك وحدك وترفضها لغيرك وأشياء تحبها برغم ضررها وأشياء ترفضها برغم فائدتها .
    الاثنان القبول والرفض موجودان بدخلك يتعايشان سوياً قد يتعاركان ولكن من الصعب أن يقضي أحدهما على الآخر ، قد ينتصر أحدهما ، ولكن لا يمحي المهزوم من الوجود ؛ بل جل ما قد يفعله المنتصر أن يقلص من نسبة المهزوم وقوته إلى أقصى درجة ممكنة .
    فالقيم في حياة البشر ليست مطلقة _ وإن كانوا يقولون غير ذلك _ بل هناك دائماً وأبداً استثناءات.
    فلذلك اذا نظرنا إلى الإنسان ؛ جسم الإنسان يتكون من شيئين مختلفين تمام الاختلاف : الروح والجسد ؛ الروح غير مادية أي لا نستطيع أن ندركها أو نعرف ماهيتها بالحواس أو الأجهزة وإنما هي أقرب ما تكون للمفهوم المعنوي منها إلي المفهوم المادي ، كل ما نستطيع أن نقوله أننا نرى أثرها على المادة فهي ما تكسب المادة الحياة ، ولكن إن لم توجد مادة لا قيمة للروح .
    جسد الانسان وروحه تكونان الانسان فالروح غير مادية والجسد مادي ولكنهما سوياً يكونان حياة الانسان ، فلا توجد حياة بإحدهما وفناء الاخر ؛ قد يطغى جانب على آخر  فهناك الانسان المادي قليل المشاعر الروحية وهناك الانسان الروحي قليل المشاعر المادية . ومن هنا نشأ اختلاف البشر ولكن البشر لم يلحظوا تلك الثنائية المتعايشة بسلام ، وإنما نفروا من الاختلاف وحاربوه دون أن يعرفوا ماهيته أو يعرفوا أن الاختلاف هو سر من أسرار الوجود بل يقوم الوجود والحياة على هذا الاختلاف ، ولن تقوم الحياة بمحو أحد الجانبين وبقاء الآخر .
    فيا من تتبعون الروح في معظم أفكاركم و تصرفاتكم

    ويا من تتبعون الجسد في معظم افكاركم وتصرفاتكم
    هما يكونان شيئاً واحداً هو الانسان والانسان حياة ؛ ولكن الروح فقط أو الجسد فقط موت .